28 ديسمبر، 2012

جذور العلمانية

نسمات – بقلم مراد

العلمانية: ترجمة غير صحيحة للكلمة الإنجليزية ( secularism ) وترجمتها الصحيحة: اللادينية أو الدنيوية ، وهي دعوة إلى إقامة الحياة على غير الدين، وتعني في جانبها السياسي اللادينية في الحكم، وعلى هذا فلا صلة بين العلمانية والعلم (science) أو المذهب العلمي ( scientism )، لا كما يدعي العلمانيون مستغلين الترجمة الخاطئة زاعمين أنها تعني استخدام العلم والعقل، وهذا تلبيس شديد، فشتان ما بين العلم ومدلول العلمانية.
وترجع جذور هذا الفكر إلى المدارس الطبيعية الأولى التي نشأت بعد القرن السادس عشر الميلادي، حيث كانت سيطرة الكنيسة ورجال الدين تقف عائقاً أمام العلم والفكر وقيداً على الحرية (حتى أنها كانت تحرم البحث العلمي بشكل تام)، ولهذا كله تمرد العلماء في أوروبا على هذا الاستبداد.
لقد تصدت الكنيسة للعلم والعلماء واتهمتهم بالهرطقة، وأوجدت صراعاً بينها وبين العلم، فأعلنت أوروبا فصل الدين عن الدولة أخيراً... ولكن ما كان يتوجب على أوروبا فعله هو البحث عن الدين الصحيح لا أن تهرب إلى حياة مادية بلا دين، ولكن أوروبا نبذت دينها لتتخلى عن عقائد محرفة، ولما وجدت المادية تسود وتنتشر اتخذتها بديلاً عن دينها، وتصورت أن العلم والدين متناقضان، فحاربت الدين باسم العلم، وأقامت حضارتها على المادية المحضة.
ولقد تبنت العلمانية مبادئ الفكر المادي، وعليه قامت معتقدات العلمانية، ومنها: الإيمان المطلق بالمادة، وبما يحس ويشاهد، وإنكار ما وراء الطبيعة من أمور غيبية، وتقديس العلم التجريبي كمصدر للمعرفة والتعرف على الحقائق، ومعاداة الدين أو على الأقل إبعاده عن مجالات الحياة المختلفة، فمن العلمانيين من ينكر وجود الله، ومنهم من يؤمن بوجوده، ولكنهم يعتقدون أنه لا علاقة بين وجود الله وبين حياة الإنسان على الأرض.
إن التدين عندهم حرية شخصية في نطاق حياة الفرد الشخصية (هذا ما قد يبدو في الظاهر) ولكن الحقيقة منافيه لذلك فإذا رأت العلمانية نزعه إيمانيه بأي دين تتنامى في أي مجتمع تتدخل لقمعها والاعتداء على ذلك الدين بشتى الطرق حتى الطرق المادية وهذا يعيد إلى أذهاننا القمع الذي كانت تديره الكنيسة في العصور الوسطى، ولذلك أيضاً لا يتمسك العلمانيون بالقيم والمثل العليا إذ هي في الفكر المادي قيم سلبية، والأخلاق والمبادئ والقيم عندهم من الأمور النسبية، بينما هي في الإسلام من الأمور الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل، وهى قيم إيجابية تقود المجتمع إلى الفضيلة والصلاح.
الفكر المادي:
- الفكر المادي يقبل مبدأ النفعية ـ البراجماتيزم ـ في كل شيء في الحياة، والبراجماتيزم فلسفة جديدة ذات طابع عملي ترتبط بالواقع، فهي لا تحكم على فكر بأنه حق أو باطل إلا بعد ظهور نفعه عند التطبيق العملي، فالحق ما كان نافعاً، لا أنه نافعاً لكونه حقاً، فليس للحق وجود ذاتي، بل الحق صفة تلحق بالأشياء بحسب نفعها، فهي فلسفة تجعل المثل والقيم من صنع الإنسان.
- والفكر المادي كذلك يقبل أيضاً مبدأ الميكافيلية ـ الغاية تبرر الوسيلة ـ كفلسفة للحكم والسياسة والأخلاق، وهو مبدأ مادي وضعه السياسي المشهور ميكافيللى، الذي ولد في فلورنسا بإيطاليا، وعاش بين عامي 1469م- 1527م.
- والفكر المادي أيضاً لا يتطرق إلى الإيمان باليوم الآخر ، بل ينكر البعث والحساب والنشور، ولا يعترف بالعمل للآخرة، ولكن العمل إنما يكون للدنيا، فيقيم بذلك حاجزاً سميكاً بين عالم الروح وعالم المادة.
* فإذا كان لظهور العلمانية المادية في أوروبا ما يبرره، فليس هناك أي مبرر لدخول العلمانية إلى عالمنا الإسلامي، إذ لم يكن ـ ولن يكون - هناك أي عداء بين الإسلام والعلم، ولم يضطهد الإسلام العلماء بل كرمهم، وليس من الإسلام فصل الدين عن الدولة، أو الفصل بين الروح والمادة. ومحاولة تطبيقها في عالمنا هو أشبه بوضع حل خاطئ لمشكله لم تكن موجوده !

أخبار سياسية

ن